فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{فعقروا الناقة} يعني فعقرت ثمود الناقة والعقر قطع عرقوب البعير ثم جعل النحر عقرًا لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره {وعتوا عن أمر ربهم} أي تكبروا عن أمر ربهم وعصوه والعتو والغلوّ في الباطل والتكبر عن الحق والمعنى أنهم عصوا الله وتركوا أمره في الناقة وكذبوا نبيهم صالحًا عليه الصلاة والسلام {وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا} يعني من العذاب {إن كنت من المرسلين} يعني: إن كنت كما تزعم أنك رسول الله فإن الله تعالى ينصر رسله على أعدائه وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا مكذبين في كل ما أخبرهم به من العذاب فعجل الله لهم ذلك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فعقروا النّاقة}.
نسب العقر إلى الجميع وإن كان صادرًا عن بعضهم لما كان عقرها عن تمالىء واتفاق حتى روي أنّ قدارًا لم يعقرها إلا عن مشاورة الرّجال والنساء والصبيان فأجمعوا على ذلك وسبب عقرها أنها كانت إذا وقع الحر نصبت بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطنه وإذا وقع البرد تلبث ببطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره فشقّ ذلك عليهم وكانت تستوفي ماءهم شربًا ويحلبونها ما شاء الله حتى ملوها وقالوا ما نصنع باللبن الماء أحبّ إلينا منه وقال لهم صالح يومًا إنّ هذا الشهر يولد فيه مولود يكون هلاككم على يديه فولد لعشرة نفر فذبح التّسعة أولادهم وبقي العاشر وهو سالف بن قدار وكان قدار أحمر أزرق قصيرًا ولذلك قال بعض شعراء الجاهلية:
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ** كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

قال الشّراح غلط وإنما هو أحمر ثمود وهو قدار وكان يشبّ في اليوم شباب غيره في السّنة وكان التسعة إذا رأوه قالوا: لو عاش بنونا كانوا مثل هذا فأحفظهم أن قتلوا أولادهم بكلام صالح فأجمعوا على قتله فكمنوا له في غار ليبيتوه، ويأتي خبر التبييت وما جرى لهم في سورة النمل إن شاء الله، وروي أنّ السبب في عقرها أن امرأتين من ثمود من أعداء صالح وهما عنيزة بنت غنم أم مجلز زوجة ذؤاب بن عمرو وتكنّى أم غنم عجوز ذات بنات حسان ومال من إبل وبقر وغنم وصدوف بنت المحيّا جميلة غنية ذات مواش كثيرة فدعت عنيزة على عقرها قدارًا على أن تعطيه أيّ بناتها شاء وكان عزيزًا منيعًا في قومه ودعت صدوف رجلًا من ثمود يقال له الحباب إلى ذلك وعرضت نفسها عليه إن فعل فأبى فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المحيا لذلك وجعلت له نفسها فأجاب قدار ومصدع واستغويا سبعة نفر فكانوا تسعة رهط فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وكمن قدار في أصل صخرة ومصدع في أصل أخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أم غنم عنيزة بابنتها وكانت من أحسن النساء فسفرت لقدار ثم مرت الناقة به فشدّ عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاة واحدة فطعن في لبّتها ونحرها وخرج أهل البلدة فاقتسموا لحمها وطبخوه وذكروا لسبقها حكاية الله أعلم بصحتها، وقيل سبب عقرها أنّ قدارًا شرب الخمر وطلبوا ماء لمزجها فلم يجدوه لشرب الناقة فعزموا على عقرها وكمن لها فرماها بالحرية ثم سقطت فعقرها، وقال بعض شعراء العرب وقد ذكر قصة الناقة:
فأتاها أحيمر كأخي السه ** م بعضب فقال كوني عقيرا

{وعتوا عن أمر ربهم} أي استكبروا عن امتثال أمر ربهم وهو ما أمر به تعالى على لسان صالح من قوله: {فذروها تأكل في أرض الله} ولا تمسّوها بسوء ومن اتباع أمر الله وهو دينه وشرعه ويجوز أن يكون المعنى صدر عتوهم عن أمر ربهم كأنّ أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوّهم ونحو عن هذه ما في قوله: {وما فعلته عن أمري}.
{وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} أي من العذاب لأنه كان سبق منه ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم فاستعجلوا ما وعدهم به من ذلك إذ كانوا مكذبين له في الإخبار بذلك الوعيد وبغيره ولذلك علقوه بما هم به كافرون وهو كونه من المرسلين، وقرأ ورش والأعمش {يا صالح ائتنا} وأبو عمرو إذا أدرج بإبدال همزة فاء {ائتنا} واو الضمة جاء صالح، وقرأ باقي السبعة بإسكانها وفي كتاب ابن عطية قال أبو حاتم: قرأ عيسى وعاصم أوتنا بهمز وإشباع ضمّ انتهى، فلعله عاصم الجحدري لا عاصم بن أبي النجود أحد قراء السبعة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فعقروا الناقة} أي نحروها، أُسند العقرُ إلى الكل مع أن المباشِرَ بعضُهم للملابسة أن لأن ذلك لما كان برضاهم فكأنه فَعلَه كلُّهم، وفيه من تهويل الأمرِ وتفظيعِه بحيث أصابت غائلتُه الكلَّ ما لا يخفى {وعتوا عن أمر ربهم} أي استكبروا عن امتثاله وهو ما بلّغهم صالح عليه السلام من الأمر والنهي.
{وقالوا} مخاطِبين له عليه السلام بطريق التعجيزِ والإفحامِ على زعمهم {يا صالح ائتنا بما تعدنا} أي من العذاب، والإطلاقُ للعلم به قطعًا {إن كنت من المرسلين} فإن كونَك من جملتهم يستدعي صدقَ ما تقول من الوعد والوعيد. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَعَقَرُواْ الناقة} أي نحروها.
قال الأزهري: أصل العقر عند العرب قطع عرقوب البعير ثم استعمل في النحر لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره؛ وإسناده إلى الكل مع أن المباشر البعض مجاز لملابسة الكل لذلك الفعل لكونه بين أظهرهم وهم متفقون على الضلال والكفر أو لرضا الكل به أو لأمرهم كلهم به كما ينبئ عنه قوله تعالى: {فَنَادَوْاْ صاحبهم فتعاطى فَعَقَرَ} [القمر: 29]، وقيل: إن العقر مجاز لغوي عن الرضا بالنسبة إلى غير فاعله وليس بشيء.
{وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} أي استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح عليه السلام من الأمر السابق فالأمر واحد الأوامر، وجوز أن يكون واحد الأمور أي استكبروا عن شأن الله تعالى ودينه وهو بعيد.
وأوجب بعضهم على الأول أن يضمن {عَتَوْاْ} معنى التولي أي تولوا عن امتثال أمره عاتين أو معنى الإصدار أي صدر عتوهم عن أمر ربهم وبسببه لأنه تعالى لما أمرهم بقوله: {فَذَرُوهَا} [الأعراف: 73] إلخ ابتلاهم فما امتثلوا فصاروا عاتين بسببه ولولا الأمر ما ترتب العقر والداعي للتأويل بتولوا أو صدر أن عتا لا يتعدى بعن فتعديته به لذلك كما في قوله تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} [الكهف: 82] وبعضهم لا يقول بالتضمين بناءً على أن عتا بمعنى استكبر كما في القاموس وهو يتعدى بعن فافهم.
{وَقَالُواْ} مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والإفحام على زعمهم الفاسد {وَقَالُواْ ياصاح ائتنا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب وأطلق للعلم به {إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} فإن كونك منهم يقتضي صدق ما تقول من الوعد والوعيد. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ} أي: نحروها، والعقر: الجرح، وأثر كالخز في قوائم الفرس والإبل يقال: عقره بالسيف يعقره بالكسر، وعقره تعقيرًا، قطع قوائمه بالسيف وهو قائم.
قال الأزهري: العقر عند العرب كشف عرقوب البعير، ثم يجعل النحر عقرًا، لأن ناحر الإبل يعقرها: ثم ينحرها.
وفي اللسان: عقر الناقة وعقرها، وإذا فعل بها ذلك حتى تسقط، فينحرها مستمكنًا منها، أي: لئلا تشرد عند النحر.
وفي الحديث: «لا عقر في الإسلام».
قال ابن الأثير: كانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى، أي:
ينحرونها ويقولون إن صاحب القبر كان يعقر للأضياف أيام حياته، فنكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته. كذا في تاج العروس.
وأسند العقر إلى جميعهم، لأنه كان برضاهم، وإن لم يباشره إلا بعضهم. ويقال للقبيلة الضخمة: أنتم فعلتم كذا وما فعله إلا واحد منهم. كذا في الكشاف.
قال أبو السعود: وفيه من تهويل الأمر وتفظيعه، بحيث أصابت غائلته الكل ما لا يخفى.
{وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي: استكبروا عن امتثاله، وهو عبادته وحده، أو الحذر من مس الناقة بسوء. وزادوا في الإستهزاء: {وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أي: من العذاب على عقر الناقة. والأمر للإستعجال لأنهم يعتقدون أنه لا يتأتى ذلك، ولذا قالوا: {إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي: فإن الله ينصر رسله على أعدائه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
الفاء للتّعقيب لِحكاية قول الذين استكبروا: {إنّا بالذي آمنتم به كافرون} [الأعراف: 76]، أي قالوا ذلك فعقروا، والتّعقيب في كلّ شيء بحسبه، وذلك أنّهم حينَ قالوا ذلك كانوا قد صدعوا بالتّكذيب، وصمّموا عليه، وعجزوا عن المحاجة والاستدلال، فعزموا على المصير إلى النّكاية والإغاظة لصالح عليه السّلام ومن آمنَ به، ورسموا لابتداء عملهم أن يعتدوا على النّاقة التي جعلها صالح عليه السّلام لهم، وأقامها بينَه وبينهم علامة موادعة ما داموا غير متعرّضين لها بسوء، ومقصدهم من نيّتهم إهلاك النّاقة أن يزيلوا آية صالح عليه السّلام لئلا يزيد عدد المؤمنِين به، لأنّ مشاهدة آية نبوءته سالمة بينهم تثير في نفوس كثير منهم الاستدلال على صدقه والاستئناس لذلك بسكوت كبرائهم وتقريرهم لها على مرعاها وشِربها، ولأنّ في اعتدائهم عليها إيذانًا منهم بتحفزهم للإضرار بصالح عليه السّلام وبمن آمن به بعدَ ذلك وليُرُوا صالحًا عليه السّلام أنّهم مستخفّون بوعيده إذ قال لهم: {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73].
والضّمير في قوله: {فعقروا} عائد إلى {الذين استكبروا} [الأعراف: 75]، وقد أسند العقر إليهم وإن كان فاعله واحدًا منهم لأنّه كان عن تمالىء ورضى من جميع الكبراء، كما دلّ عليه قوله تعالى في سورة القمر (29): {فَنادَوْا صاحبَهم فتعاطى فعَقر} وهذا كقول النّابغة في شأن بني حُنّ:
وهم قتلوا الطاءيّ بالجوّ عنوة ** وإنَّما قتله واحد منهم

وذُكر في الأثر: أنّ الذي تولّى عقر النّاقة رجل من سادتهم اسمه قُدار بضم القاف ودال مهملة مخففة وراء في آخره ابن سالف.
وفي حديث البخاري أنّ النبي ذكر في خطبته الذي عقر الناقة فقال: انبعثَ لها رجل عزيز عَارِم منيعٌ في رهطه مثل أبي زمْعة.
والعَقْر: حقيقته الجرح البليغ، قال امرؤ القيس:
تقول وقد مال الغبيط بِنَا معا ** عَقَرْتَ بعيري يا امرأ القيس فانزل

أي جرحتَه باحتكاك الغبيط في ظهره من مَيله إلى جهةٍ، ويطلق العقر على قطع عضو الحيوان، ومنه قولهم، عَقَرَ حمارَ وحش، أي ضربه بالرّمح فقطع منه عضوًا، وكانوا يعقرون البعير المرادَ نحرُه بقطع عضوٍ منه حتّى لا يستطيع الهروب عند النّحر، فلذلك أطلق العقر عن النّحر على وجه الكناية قال امرؤ القيس:
ويَومَ عَقَرْتُ للعذارَى مطيَّتي

وما في هذه الآية كذلك.
والعُتوّ تجاوز الحد في الكِبْر، وتعديته بمن لتضمينه معنى الإعراض.
وأمرُ ربّهم هو ما أمرهم به على لسان صالح عليه السّلام من قوله: {ولا تمسوها بسوء} [الأعراف: 73] فعُبّر عن النّهي بالأمر لأنّ النّهي عن الشّيء مقصود منه الأمر بفعل ضدّه، ولذلك يقول علماء الأصول إنّ النّهي عن الشّيء يستلزم الأمرَ بضدّه الذي يحصل به تحقّق الكفّ عن المنهي عنه.
وأرادوا: {بما تعدنا} العذاب الذي توعَّدهم به مجملًا.
وجيء بالموصول للدّلالة على أنّهم لا يخشون شيئًا ممّا يريده من الوعيد المجمل.
فالمراد بما تتوعدنا به وصيغت صلة الموصول من مادة الوعد لأنه أخف من مادة الوعد.
وقد فرضوا كونَه من المرسلين بحرف إنْ الدّال على الشكّ في حصول الشّرط، أي إن كنتَ من الرّسل عن الله فالمراد بالمرسلين من صَدق عليهم هذا اللّقب.
وهؤلاء لجهلهم بحقيقة تصرّف الله تعالى وحكمته، يحسبون أنّ تصرّفات الله كتصرّفات الخلق، فإذا أرسل رسولًا ولم يصدّقْه المرسَل إليهم غَضِب الله واندَفع إلى إنزال العقاب إليهم، ولا يعلمون أنّ الله يُمهل الظّالمين ثمّ يأخذهم متى شاء. اهـ.